تتجه انظار العالم الي مدينة ابو سمبل جنوب مصر مرتان كل عام ، لمشاهدة واحدة من اعظم الظواهر الفرعونية الفلكية في العالم ، وهي ظاهرة تعامد الشمس علي وجه رمسيس الثاني بمعبده بمدينة ابو سمبل جنوب اسوان ، تابعوانا الي النهاية حتي تتعرفوا علي سر تعامد اشعة الشمس علي وجه رمسيس الثاني
، يوم الثاني و العشرين من فبراير و الثاني و العشرين من اكتوبر ، ليس مجرد يومين عاديين ، انهما يومان يراقب فيهما العالم تلك الظاهرة الفريدة التي تحدث منذ ثلاثة و ثلاثين قرنا
ففي جنوب مصر في محافظة اسوان يوم الثاني و العشرين من اكتوبر بالتحديد عند الساعه 05:52 دقيقة ، و هو اليوم الذي يوافقموسم الحصاد ، و في يوم 22 من فبراير عند الساعه 06:20 ، و الذي يقال انه يوافق يوم تولي الملك رمسيس الثاني عرش مصر
يشاهد العالم تسلل اشعة الشمس لمسافة 200 مترا داخل المعبد ، ليهبط فوق الملك رمسيس الثاني فيض من نور يملئ وجهه داخل حجرته في قدس الاقداس داخل المعبد لمدة 20 دقيقة
و متحف ابو سمبل هو احد المعابد في قائمة اليونيسكو كأحد المواقع الاثرية في العالم ، و التي تبدء من جانب جريان النهر من ابي سمبل الي فيلة ، و قد امر رمسيس الثاني ببناءه ، و يعتقد انه تم البدء في بناء المعبد عام 1244 ق.م ، و استمر بناءه 21عام ،
و هو عبارة عن نصب له و للملكة نفرتاري لاحتفاله بذكري الانتصار الذي حققه في معركة قادش ، اما عن تكوين المعبد فيتكون من معبدين ، الاول مخصص لثلاثة معبودات لمصر في ذلك الوقت ، و هم “ رع حور إختي “و “ بتاح “ و “ آمون “ ، و رمسيس الثاني بصفته معبوداً
اما المعبد الثاني المخصص للمعبودة “ حتحور “ و” نفرتاري “ زوجة رمسيس الثاني ، فهي الاقرب للملك و اكثر زوجاته حبا علي قلبه ، اما عن واجهة المعبد الكبير ، هناك ثلاثة تماثيل ضخمة
المعبد محفور في الصخر ، و واجهتة بها أربعة تماثيل يصل طول الواحد منها عشرين مترا للملك رمسيس الثاني ، و لكن تعرض احد تماثيل الملك الي الانهيار بعد تعرض المعبد لزلزال شديد
يوجد رسومات لقرود تحيي الشمس فوق باب الدخول ، و بجوارها منحوت جسد “ رع حور إختي “ برأس صقر ، و يوجد ممر يؤدي الي المعبد الذي ايضا تم نحته في الصخر بعمق ثمانية و اربعين مترا
و جدران المعبد تزينها مشاهد و رسومات تسجل الانتصارات ، بالاضافة الي بعض المشاهد الدينية التي تصور الحياة الدينية للملك مع معبودات مصر القديمة
ظل هذا المعبد مغمورا تحت التراب حتي عام 1813م ، عندما عثر الرحالة السويسري “ جي بوركهارت “ علي الكورنيش الرئيسي للمعبد ، و تناول هذا الاكتشاف مع المستكشف الايطالي ” بيلونزي “ ، ثم بعدها توجهوا الي المعبد و لكنهم فشلوا في حفر مدخل المعبد
ثم عاد “ بيلونزي “ في عام 1817 ، و بالفعل نجح هذه المرة في حفر مدخل المعبد ، و كان في تلك المنطقة طفل صغير يدعي ابو سمبل ، هو من قاد بيلونزي الي الحفر في الموقع الصحيح و ساعده في دخول المعبد ، و من هنا قام بيلونزي باطلاق اسمه علي المعبد و المنطقة ، بعد ان كان يعرف بمعبد رمسيس و نفرتاري
اما عن اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس علي وجه رمسيس الثاني كانت عام الف و ثمان مائة و اربعة و سبعين ، قامت المستكشفة ايميليا ادوارد برصد ظاهرة التعامد و تسجيلها في كتابها الذي نشر في عام 1899 “ الف ميل فوق النيل “ ، و كانت تلك الظاهرة تحدث يوم الواحد و العشرين من فبراير والواحد و العشرين من اكتوبر من كل عام
لكن بعد نقل المعبد من الموقع الاصلي الي الضفة الغربية لبحيرة ناصر علي بعد حوالي مائتين و تسعين كيلو مترا جنوب غرب اسوان ، تغير توقيت الظاهرة لتصبح في 22 من فبراير و 22 من اكتوير ، و تم نقل المعبد من مكانة الاصلي بسبب السد العالي
فبعد ثورة 1952 ، استعدت مصر لبناء السد العالي بالقرب من مدينة اسوان ، و بالطبع رأي المهندسون القائمون علي المشروع ان الموقع الاصلي للمعبد ، سيتسبب في تغطيته بالكامل بالماء
مما جعلهم يدركون بأنهم علي وشك البدء في مهمة صعبة ، لذلك لجأوا الي منظمة اليونيسكو عام الف و تسعمائة و خمسة و تسعين ، لتبدأ اكبر عملية نقل اثرية و هندسية متعددة الجنسيات ، لانقاذ معبد ابو سمبل من الغرق و الدمار
و كانت الخطة تنص علي نقل اعمدة و تماثيل المعبد الهائلة و الضخمة الي مسافة خمسة و ستون مترا بعيدا علي النهر ، و الي مائتي مترا الي الجنوب ، ليعاد تركيب اعمدته و جدرانه و تماثيله مرة اخري علي تلة صنعت خصيصا لاستقباله ، و بدء العمل في ذلك المشروع في عام الف و تسعمائة و اربعة وستين ، و استخدمت العديد من الادوات لنقل المعبد من مكانه ، تراوحت تلك الادوات بما بين المناشيراليدوية الي الرافعات العملاقة
و قام الخبراء بتقطيع تماثيل المعبد الضخمة الي قطع يبلغ وزن الواحدة منها العشرون طنا ، و نقلت بعد ذلك الي الموقع الجديد ، لتتم عملية اعادة تركيب الاجزاء مرة اخري ، و تم تركيبها بدقة متناهية مع اختلاف ضئيل قدره خمسة مللي مترات ، و استمر المشروع اربع سنوات كاملة ، لينتهي تتويج المعبد الاثري في المكان الجديد في يوم الثاني و العشرين من سبتمبر عام الف و تسعمائة و ثمانية و ستين ، و كلفت تلك العملية الحكومة المصرية وقتها ، اربعين مليون دولار
و الان لنعرف سر ظاهرة تعامد الشمس علي وجه رمسيس الثاني ، استغل المصريين القدماء حقيقة ان اي نقطة في الارض تتعامد عليها الشمس مرتين كل عام ، وفقا للحقيقة الفلكية القائلة بميل محور الارض علي مستوي دورانها حول الشمس ، لذلك قاموا ببناء المعبد وفقا لحقائق فلكية ومعادلات رياضية و جغرافية صحيحة ، و بذلك تتكر الظاهرة مرتين كل عام ،
و علي ذلك فقد اختار المصريين القدماء نقطة في مسار شروق الشمس تبعد عن نقطتي مسارها زمنا قدره اربعة اشهر ، ليتواقفا مع هذين اليومين من كل عام ، ثم قاموا ببناء المعبد بحيث يكون اتجاه المسار الذي تدخل منه اشعة الشمس علي وجه رمسيس الثاني من ناحية الشرق ، من فتحة ضيقة و محسوبة بدقة ، بحيث اذا دخلت اشعة الشمس في يوم و سقطت علي وجه التمثال ، فانها في اليوم التالي تنحرف انحرافا صغيرا قدره ربع درجة
و بذلك تحدث ظاهرة تعامد الشمس مرتين كل عام علي وجه رمسيس الثاني ، لنستمر بمشاهدة اروع الظواهر الفلكية و الفرعونية عند المصريين القدماء ، اخبرونا برايكم في التعليقات حول عبقرية المصريين القدماء في بناء معابدهم
و تابعونا علي صفحاتنا علي مواقع التواصل الاجتماعي ، و اخبرونا بمواضيع تريدون مقال عنه و ارسلوا لنا ارائكم و مقترحاتكم