البعض يعتقد أنه أسطوري ولا وجود له، بينما يجزم تيار آخر بوجوده، ويذهب اتجاه ثالث إلى الجزم بأنه موجود حقا ولكنه مجهول الكاتب؟ ترى هل سمعت يوما عن كتاب العزيف؟ ماذا كان إحساسك للوهلة الأولى وأنت تسمع هذا اللفظ؟ هل أثار العنوان في نفسك مشاعرا تتراوح بين الرهبة والرعب والغموض؟ مهما كانت إجابتك على هذا السؤال فإنك بحاجة إلى متابعة هذا الموضوع الحصري إلى النهاية.
تبدأ مقالتنا اليوم من القرن الثالث ميلادي و تحديدا من مدينة صنعاء العريقة، اليمن حيث نفتح نافذة للتعرف على الشاعر اليمني عبد الله الحضرد. يروى أن هذا الشاعر كان يقضي ليله ونهاره في احتساء الخمر حتى الثمالة فاقدا الوعي وكان يردد كلاما غريبا قد يوحي لسامعه أنه شخص ممسوس أو مختل، كما كان يقضي جلّ وقته هائما في الصحاري مولعا بتتبع كائنات غريبة تخرج عن نطاق عالمنا البشري. و كانت من قناعاته الراسخة أن هذه المخلوقات لها بقية مختلفة في مكان ما قد يكون قريبا جد من عالمنا ولكننا ببساطة لا نعي و لا نشعر بذلك.
بدأ الشاعر الغريب عملية تجوال تستهدف المساحات المفتوحة والصحاري والأماكن الخالية حيث تكثر الآثار وبقايا العهود الغابرة و كان هدفه الاجتماع بهذه الكائنات لأنها مخلوقات مقدسة في اعتقاده. كانت أولى وجهاته بابل القديمة و بلاد الرافدين وعرج على مقامات الفراعنة و قصورهم وأضرحتهم في مصر القديمة حيث كان يغذي ملَكاته وقد عمقت هذه الجولات معتقداته و عزمه على كشف المستور والعثور على الخلوقات غير البشرية ولقائها بشكل مباشر! قضى الرجل اليمني الموصوف لدى الجميع بالجنون وحب المغامرة عشر سنوات كاملة وحيدا في صحراء الربع الخالي الموحشة ثم قرر الاستقرار في مدينة دمشق حيث وضع أولى اللمسات على كتابه الأشهر والأكثر إثارة للغرابة.
إنه كتاب العزيف الذي غيّر القناعات وعصف بالمعتقدات وصنع ضجة عارمة في العالم بأسره. ترى ما الذي تعنيه هذه الكلمة؟ علامَ احتوى الكتاب؟ ولماذا ستعجز في إيجاد أي أثر له مهما اجتهدت في البحث والتنقيب؟ هذا ما سنكتشف أسراره معا فيما تبقى من الفيديو. ولكن لمصلحتك : لا تبحث عن الكتاب مهما دعاك فضولك لهذا! كلمة العزيف تعني صوت الحشرات في سكون الليل بينما يعتقد البعض أنها أصوات من عالم الجن وهذه الكائنات تنشط ليلا فيسمع لها صوت مميز.
في هذا الكتاب المثير للرعب سرد عبد الله ما واجهه خلال رحلاته بشكل دقيق و سرد مشوق مستفيض كما رافق المحتوى المكتوب صورا من وحي خياله و هي مرسومة باليد تثير الغرابة الرعب في كل من يطلع على الكتاب. يقال أن كل من يجرؤ على فتح الكتاب سيلقى حتفه، يعذب أو يقطع أشلاء متفرقة! ترى هل ستجرؤ مهما كان فضولك متأججا على السعي لإيجاد الكتاب؟ طبعا سنترك لك حرية القرار .
الأمر يتعلق بأسرار السحر الأسود وغرائبه وسر الطلاسم والرموز الخطيرة التي ستعرضك للأذية بمجرد قراءتها. يعتقد أن موت عبد الله الحضرد ذو ارتباط وثيق بالكتاب حيث وصلنا أن أحد المخلوقات المصورة في الكتاب انقض عليه وقطعه إلى أشلاء! كان الآمر أشبه ما يكون بانتقام قوى الشر حيث أن عبد الله كان قد أساء استخدام ما يعرفه من رموز وطلاسم فكان مصيره شنيعا جعل منه عبرة لكل من يجرؤ على العبث بأسرار هذا العالم أو يخل بمقتضيات شروطه ونواميسه. أورد ابن خالكان و هو مؤرخ من القرن الثالث عشر ميلادي أن وحشا من التي صورها عبد الله في كتابه كان قد ظهر من العدم والتهمه خلال ثوان معدودة. و قيل أن هناك من الشهود من صعق لهول الحادثة وتجمد مكانه وهو يرقب الحدث الأفضع والأكثر إثارة للغرابة والهلع حيث انقلب السحر على ساحره كما يقال. في عام 738 ميلادية كانت نهاية العربي المجنون كما وصفه من تطرق لحياته بالدراسة والتحليل.
أما هاوارد لوفكرافت فهو أكثر من تناول قصة العزيف وكاتبه وخصص له جزءا كبيرا من اهتمامه حيث نشر العديد من التفاصيل الصادمة حول الموضوع. من المثير حول هذا الكتاب أنه بعكس كتب السحر التي استخدمت علم الفلك والتنجيم للتكهن بالمستقبل مثل كتاب نوستراداموس فهذا الكتاب بتحدث بشكل خاص ومكثف عن الكيانات والمخلوقات القديمة والتي سكنت الأرض قبل الإنسان و تشمل الجن و الشياطين وعلى رأسها مخلوق أسطوري سكن كلا من أعماق المحيطات وسطح الأرض.
حسب ما يشير إليه كتاب العزيف فإن عبد الله كان قد اكتشف بقايا ارم ذات العماد وأكثر من ذلك يذكر عبد الله في كتابه أنه قد قابل الجن والشياطين في تلك المدينة وهنالك كانوا قد لقنوه أساسيات السحر، أصبح المخلوق الغريب الذي تحدث عنه الحضرد شخصية رئيسية في كتاب لوفكرافت و هو من عمالقة قصص الرعب في العالم . تطرق عبد الله في ثنايا الكتاب إلى أن الشياطين كانت قد لقنته كيفية استدعاء الموتى و هو ما قام به فيما بعد بشكل فعلي و قد عرف جل أسرار التاريخ و خفاياه من استدعاء أرواح الموتى القدامى. كان من ضمن ما أخبروه أن بعض الملائكة أحبوا بنات البشر فهبطوا من السماء و تزاوجوا منهم وأنشأوا نسلا حكم الأرض ثم اختفى بعد ذلك.
وقد وجد المؤرخون بعض الذكر لمثل هذا المعلومات في كتاب سفرالتكوين. حسب ما تناقله من اطلع على الكتاب أنه كان مليئا بالرموز والطلاسم و رسوم هندسية غريبة الأشكال ومناظر تبدو لأول وهلة أنها أدوات سحر. زيادة على كونها سببا لأذى من يطلع عليها أو يسيء استخدامها كانت الرموز وسيلة لاستحضار الجثث واستنطاقها. شيء مرعب حقا. لقد بلغ عدد صفحات الكتاب 999 صفحة تضم أسماء عربية، أعجمية غربية و من ثقافات مختلفة والمثير للرهبة أنها أسماء للموتى منذ بدء الخلق. و خصص فصل كامل من هذا الكتاب لعرض مرعب عن تفاصيل الموت، كيفيته، مراحله و ما بعده و هو ما ظهر فيما بعد في كتب لوفكرافت لاحقا. كما تضمن الكتاب صورا لمخلوقات يمكننا القول أنها أسطورية فهي مرعبة وغريبة الأشكال حسب ما أشار إليه من اطلع عليها. مثير لمشاعر الذعر حقا! حسب ما وصل إلينا من معلومات متواترة عن الكتاب فإن غلافه الخارجي كان مصنوعا من جلد الموتى أما من أين أتى الجلد فهذا ما لا يعلمه أحد.
سؤال غريب فعلا يحتمل الكثير من الإجابات الغامضة؟ أما السؤال الموالي و الذي يثير مزيدا من الاحتمالات الغريبة والغامضة فهو الآتي: كيف وصل كتاب من تأليف شاعر عربي إلى أشهر من كتبوا أفلام الرعب في العالم؟ هذا ما سيرد ذكره بشكل مفصل في بقية الفيديو. ترجم الكتاب عدة مرات إحداها كانت على يد ثيودورفيلاديس إلى اللغة الإغريقية عام 1958
حيث اكتسب اسمه المتعارف عليه في الغرب وهو نيكرونوميكنthe book of deadو الذي يعني حرفيا العزيف كتاب الموتى وقد أحرق الباطريارك مايكل الأول هذه النسخة لأنها سببت الكثير من الضرر لمن يقرأها تتراوح بين الجنون والعديد من أشكال الأذى الأخرى. كما كان قد تم تنفيذ ترجمة أخرى للكتاب إلى اللغة اللاتينية عام 1228 ولكن الحبر الأعظم قريقوري التاسع قام بمنع النسخ اللاتينية والإغريقية وأحرق كل ما تمكن من العثور عليه من آثار للكتاب و نجت نسخة واحدة من الحرق عثر عليها في المكتبة القديمة للفاتيكان . أما الآن فلنتعرف معا على الطريقة التي وصل بها الكتاب إلى يد لوفكرافت وكيف كان مصدرا لإلهامه؟ وقعت النسخة المترجمة بيد ساحر انجليزي شهير يدعى جون دي وبهذا تم ترجمة الكتاب إلى اللغة الإنجليزية عام 1586 ولكن النسخة لم تطبع بشكل كامل من قبل أي دار نشر وبقيت النسخة الأصلية في مكتبة أكسفورد إنجلترا حيث وقعت من جديد بيد أشهر السحرة في العصر الحديث وهو آليستر كرولي الذي تأثر بشخصية الحضرد لدرجة وصلت إلى حد التقمص وإعادة السفر إلى الأمكنة التي يذكر الكتاب أن الحضرد قصدها. تعرف على امرأة تدعى سونيا غرين عام 1918 و تزوج منها آليستر غير أن الانفصال كان نهاية سريعة لارتباطهما.
التقت صونيا بعدها برجل آخر كان سببا مباشرا في إذاعة صيت الكتاب. إنه هاورد لوفكرافت أشهر كاتب لقصص الرعب في عشرينيات القرن. سعى الكاتب لإعادة طباعة الكتاب بالكامل إلا أنه لم يحصل على النسخة المترجمة بل حصل على كافة التفاصيل من صونيا حيث استلهم مواضيع 18 موضوعا لقصصه الشهيرة والتي أوصلته إلى هرم الشهرة. إلى هنا نكون قد نجحنا في رسم الكثير من علامات الاستفهام في مخيلتك: ترى أين الكتاب الآن وما هي مختلف التفاسير والفرضيات حول ذلك؟ هل حقا هنالك نسخة واحدة في مكتبة سرية في الفاتيكان؟ هل الحضرد حقا هو من كتب الكتاب؟ والتساؤل الصادم حقا: هل الكتاب موجود من الأساس أم أنه مجرد قصة مختلقة من طرف لوفكرافت لزيادة رواج قصصه المرعبة؟ للحديث بقية